سورة الزخرف - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


نداء فرعون يحتمل أن يكون بلسانه في ناديه، ويحتمل أن يكون بأن أمر من ينادي في الناس، ومعنى هذه الحجة التي نادى بها أنه أراد أن يبين فضله على موسى، إذ هو ملك مصر، وصاحب الأنهار والنعم، وموسى خامل متقل لا دنيا له، قال: فلو أن إله موسى يكون حقاً كما يزعم، لما ترك الأمر هكذا و: {مصر} من بحر الإسكندرية إلى أسوان بطول النيل. و: {الأنهار} التي أشار إليها هي الخلجان الكبار الخارجة من النيل وعظمها نهر الإسكندرية وتنيس ودمياط ونهر طولون.
وقوله: {أم أنا خير} قال سيبويه: {أم} هذه المعادلة، والمعنى: أم أنتم لا تبصرون، فوضع موضع قوله: أم تبصرون الأمر الذي هو حقيق أن يبصر عنده، وهو أنه خير من موسى. ولا على هذا النظر نافية. وقالت فرقة: {أفلا تبصرون} أم لا تبصرون، ثم اقتصر على {أم} لدلالة ظاهر الكلام على المحذوف منه، وابتدأ قوله: {أنا خير} إخباراً منه، فقوله: {أفلا} على هذا النظر بمنزلة: هلا ولولا على معنى التخصيص. وقالت فرقة: {أ} بمعنى بل.
وقرأ بعض الناس: {أما أنا خير}، حكاه الفراء، وكان مجاهد يقف على {أم} ثم يبتدئ: {أنا خير}. قال قتادة: وفي مصحف أبي بن كعب: {أم أنا خير أم هذا}. و{مهين} معناه ضعيف وقوله: {ولا يكاد يبين} إشارة إلى ما بقي في لسان موسى من أثر الجمرة، وذلك أنها كانت أحدثت في لسانه عقدة، فلما دعا في أن تحل ليفقه قوله، أجيبت دعوته، لكنه بقي أثر كان البيان يقع منه، لكن فرعون عير به. وقوله: {ولا يكاد يبين} يقتضي أنه كان يبين.
وقرأ أبو جعفر بن علي: يَبين بفتح الياء الأولى.
وقوله: {فلولا ألقي عليه} يريد من السماء على معنى التكرمة.
وقراءة الجمهور: {أُلقي} على بناء الفعل للمفعول. وقرأ الضحاك: {أَلقَى} بفتح الهمزة والقاف على بنائه للفاعل أساورة نصباً.
وقرأ جمهور القراء: {أساورة} وقرأ حفص عن عاصم: {أسورة}، وهي قراءة الحسن والأعرج وقتادة وأبي رجاء ومجاهد. وقرأ أبي بن كعب: {أساور}. وفي مصحف ابن مسعود: {أساوير}، ويقال سوار وأسوار لما يجعل في الذراع من الحلي، حكى أبو زيد اللغتين وأبو عمرو بن العلاء، وهو كالقلب، قاله ابن عباس، وكانت عادة الرجال يومئذ حبس ذلك والتزيي به. و: {أساورة} جمع أسوار، ويجوز أن يكون جمع أسورة، كأسقية وأساقي، وكذلك: أساور، جمع أسوار. والهاء في: {أساورة} عوض من الياء المحذوفة، لأن الجمع إنما هو أساوير كما في مصحف ابن مسعود، فحذفوا الياء وجعلوا الهاء عوضاً منها، كما فعلوا ذلك في زنادقة وبطارقة وغير ذلك، وأساورة: جمع سوار.
وقوله: {مقترنين} أي يحمونه ويشهدون له ويقيمون حجته. ثم أخبر تعالى عن فرعون أنه استخف قومه بهذه المقالة، أي طلب خفتهم وإجابتهم إلى غرضه، فأجابوه إلى ذلك وأطاعوه في الكفر لفسقهم ولما كانوا بسبيله من الفساد. و: {آسفونا} معناه: أغضبونا بلا خلاف، وإغضاب الله تعالى هو أن تعمل الأعمال الخبيثة التي تظهر من أجلها أفعاله الدالة على إرادة السوء بمن شاء. والغضب على هذا صفة فعل، وهو مما يتردد، فإذا كان بمعنى ما يظهر من الأفعال، فهو صفة فعل، وإذا رد إلى الإرادة فهو صفة ذات، وفي هذا نظر.
وقرأ جمهور القراء: {سَلَفاً} بفتح السين واللام جمع سالف، كحارس وحرس. والسلف: هو الفارط من الأمم المتقدم، أي جعلناهم متقدمين للأمم الكافرة عظة ومثلاً لهم يعتبرون بهم، أو يقعون فيما وقعوا فيه، ومن هذه اللفظة قول النبي عليه السلام: «يذهب الصالحون أسلافاً»، وقوله في ولده إبراهيم: «ندفنه عند سلفنا الصالح عثمان بن مظعون». وقرأ حميد الأعرج وحمزة والكسائي: {سُلُفاً} بضم السين واللام، وهي قراءة عبد الله وأصحابه وسعد بن عياض وابن كثير، وهو جمع: سليف. وذكر الطبري عن القاسم بن معن أنه سمع العرب تقول: مضى سلف من الناس، بمعنى السلف. وقرأ علي بن أبي طالب وحميد الأعرج أيضاً: {سُلَفاً} بضم السين وفتح اللام، كأنه جمع سلفة، بمعنى الأمة والقطعة. والآخرون: هو من يأتي من البشر إلى يوم القيامة.


روي عن ابن عباس وغيره في تفسير هذه الآية، أنه لما نزلت: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له كن، فيكون} [آل عمران: 59] ونزل مع ذلك ذكر عيسى وحاله وكيف خلق من غير فحل، قالت فرقة: ما يريد محمد من ذكر عيسى إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى، فهذا كان صدورهم من ضربه مثلاً.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو جعفر والأعرج والنخعي وأبو رجاء وابن وثاب: {يصُدون} بضم الصاد، بمعنى: يعرضون. وقرأ الباقون وابن عباس وابن جبير والحسن وعكرمة: {يصِدون} بكسر الصاد، بمعنى يضحكون، وأنكر ابن عباس ضم الصاد، ورويت عن علي بن أبي طالب، وقال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، مثل «يعرُشون ويعرِشون».
وقوله تعالى: {آلهتنا} ابتداء معنى ثان، وذلك أنه لما نزلت {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الأنبياء: 98] جاء عبد الله بن الزعبري ونظراؤه فقالوا: نحن نخصم محمداً: آلهتنا خير أم عيسى؟ وعلموا أن الجواب أن يقال عيسى، قالوا، وهذه آية الحصب لنا أو لكل الأمم من الكفار فقال النبي عليه السلام: «بل لكل من تقدم أو تأخر من الكفار،» فقالوا نحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى، إذ هو خير منها، وإذ قد عبد فهو من الحصب إذاً، فقال: {ما ضربوه لك إلا جدلاً} أي ما مثلوا هذا التمثيل إلا جدلاً منهم ومغالطة، ونسوا أن عيسى لم يعبد برضى منه ولا عن إرادة، ولا له في ذلك ذنب.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {آءالهتنا} بهمزة استفهام وهمزة بعدها بين بين وألف بعدها. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: بهمزتين مخففتين بعد الثانية ألف. وقرأ ورش عن نافع: بغير استفهام: {آلهتنا} على مثال الخبر. وقرأ قالون عن نافع: {ءالهتنا} على الاستفهام بهمزة واحدة بعدها مدة. وفي مصحف أبي بن كعب: {خير أم هذا}، فالإشارة إلى محمد، وخرجت هذه القراءة على التأويل الأول الذي فسرناه، وكذلك قالت فرقة ممن قرأ: {أم هو} إن الإرادة محمد عليه السلام، وهو قول قتادة. وقال ابن زيد والسدي المراد ب {هو} عيسى، هذا هو المترجح.
والجدال عند العرب: المحاورة بمغالطة أو تحقيق أو ما اتفق من القول إنما المقصد به أن يغلب صاحبه في الظاهر إلا أن يتطلب الحق في نفسه، وروى أبو أمامة عن النبي عليه السلام أنه قال: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل» ثم قرأ: {ما ضربوه لك إلا جدلاً} قال أبو أمامة: ورأى عليه السلام قوماً يتنازعون، فغضب حتى كأنما صب في وجهه الخل، وقال:
«لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فما ضل قوم إلا أوتوا الجدل» ثم أخبر تعالى عنهم أنهم أهل خصام ولدد، وأخبر عن عيسى أنه عبد أنعم الله عليه بالنبوءة والمنزلة العالية، وجعله مثلاً لبني إسرائيل.
وقوله تعالى: {ولو نشاء} الآية، أي لا تستغربوا أن يخلق عيسى من غير فحل، فإن القدرة تقضي ذلك وأكثر منه.
وقوله: {لجعلنا منكم} معناه: لجعلنا بدلاً منكم، أي لو شاء الله لجعل بدلاً من بني آدم ملائكة يسكنون الأرض ويخلفون بني آدم فيها. وقال مجاهد وابن عباس: يخلف بعضهم بعضاً. والضمير في قوله: {وإنه لعلم} قال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وابن زيد: الإشارة به إلى عيسى. وقالت فرقة: إلى محمد عليه السلام. وقال الحسن أيضاً وقتادة: إلى القرآن.
وقرأ جمهور الناس: {لعِلْم} بكسر العين وسكون اللام. وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة وأبو هند الغفاري ومجاهد وأبو نضرة ومالك بن دينار والضحاك: {لعَلَم} بفتح العين واللام، وقرأ عكرمة مولى ابن عباس: {لَلعلم} بلامين، الأولى مفتوحة. وقرأ أبي بن كعب: {لذَكر للساعة}.
فمن قال إن الإشارة إلى عيسى حسن مع تأويله علم وعلم أي هو إشعار بالساعة وشرط من أشراطها، يعني خروجه في آخر الزمان، وكذلك من قال: الإشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أي هو آخر الآنبياء، فقد تميزت الساعة به نوعاً وقدراً من التمييز، وبقي التحديد التام الذي انفرد الله بعلمه، ومن قال: الإشارة إلى القرآن، حسن قوله في قراءة من قرأ: {لعِلْم} بكسر العين وسكون اللام، أي يعلمكم بها وبأهوالها وصفاتها، وفي قراءة من قرأ: {لذكر}.
وقوله: {فلا تمترن} أي قل لهم يا محمد لا تشكون فيها. وقوله: {هذا صراط مستقيم} إشارة إلى الشرع، ثم أمره بتحذير العباد من الشيطان وإغوائه ونبههم على عداوته.


البينات: التي جاء بها عيسى عليه السلام هي: إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص، إلى غير ذلك. وقال قتادة: الإنجيل. والحكمة: النبوءة قاله السدي وغيره.
وقوله: {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} قال أبو عبيدة: {بعض} بمعنى كل، وهذا ضعيف ترده اللغة، ولا حجة له من قول لبيد:
أو يعتلق بعض النفوس حمامها *** لأنه أراد نفسه ونفس من معه، وذلك بعض النفوس، وإنما المعنى الذي ذهب إليه الجمهور، أن الاختلاف بين الناس هو في أمور كثيرة لا تحصى عدداً، منها أمور أخروية ودينية، ومنها ما لا مدخل له في الدين، فكل نبي فإنما يبعث ليبين أمر الأديان والآخرة، فذلك بعض ما يختلف فيه.
وقوله تعالى: {هذا صراط مستقيم} حكاية عن عيسى عليه السلام إذ أشار إلى شرعه. و: {الأحزاب} المذكورون: قال جمهور المفسرين أراد: اختلف بنو إسرائيل وتحزبوا، فمنهم من آمن به، وهو قليل، وكفر الغير، وهذا إذا كان معهم حاضراً. وقال قتادة: {الأحزاب} هم الأربعة الذين كان الرأي والمناظرة صرفت إليهم في أمر عيسى عليه السلام. وقال ابن حبيب وغيره: {الأحزاب} النصارى افترقت مذاهبهم فيه بعد رفعه عليه السلام، فقالت فرقة: هو الله، وهم اليعقوبية قال الله عز وجل: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} [المائدة: 17]. وقالت فرقة: هو ابن الله، وهم النسطورية قال الله تعالى فيهم: {وقالت النصارى المسيح ابن الله} [التوبة: 30]، وقالت فرقة: هو ثالث ثلاثة، وهم الملكانية قال الله تعالى فيهم: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة: 73].
وقوله تعالى: {من بينهم} بمعنى من تلقائهم ومن أنفسهم ثار شرهم، ولم يدخل عليهم الاختلاف من غيرهم. والضمير في: {ينظرون} لقريش، والمعنى: ينتظرون. و: {بغتة} معناه: فجأة دون مقدمة ولا إنذار بها.
ثم صرف تعالى بعض حال القيامة، وإنها لهول مطلعها والخوف المطبق بالناس فيها يتعادى ويتباغض كل خليل كان في الدنيا على غير تقى، لأنه يرى أن الضرر دخل عليه من قبل خليله، وأما المتقون فيرون أن النفع دخل بهم من بعضهم على بعض، هذا معنى كلام علي رضي الله عنه.
وقوله: {يا عبادي} المعنى يقال لهم، أي للمتقين.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: {يا عباديَ} بفتح الياء، وهذا هو الأصل. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: {يا عبادي} بسكون الياء. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم {يا عباد} بحذف الياء. قال أبو علي: وحذفها أحسن، لأنه في موضع تنوين وهي قد عاقبته، فكما يحذف التنوين في الاسم المنادى المفرد، كذلك تحذف الياء هنا لكونها على حرف، كما أن التنوين كذلك، ولأنها لا تنفصل من المضاف كما لا ينفصل التنوين من المنون.
وذكر الطبري عن المعتمر عن أبيه أنه قال: سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع، فينادي مناد: {لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} فيرجوها الناس كلهم، قال فيتبعها. {الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين} [الزخرف: 69] قال: فييأس منها جميع الكفار.
وقرأ الحسن والزهري وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر ويعقوب: {لا خوفَ} بنصب الفاء من غير تنوين. وقرأ ابن محيصن برفع الفاء من غير تنوين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6